«بين أند كومباني»: قطاع صناعة الآلات والمعدات يدخل «عصر ما بعد الآلات»
يواجه قطاع صناعة الآلات والمعدات على المستوى العالمي مجموعة واسعة من التحديات، التي تضع نخبة من الشركات الرائدة أمام خيار محوري لوضع خطة متكاملة تتضمن جملة من التغييرات الممنهجة على نحوٍ عملي وسريع، خلال العقد القادم. وتقدّم شركة بين أند كومباني دراسة تحليلية حول موجة التحوّل الرقمي التي تجتاح هذا القطاع، في أول تقرير عالمي لها عن صناعة الآلات والمعدات.
يركّز التقرير على الاستراتيجية الواجب اتباعها للشركات الناجحة والطموحة بالتميّز في مجال التصنيع، كما ينوه التقرير على ضرورة اتباع منهج “عصر ما بعد الآلات”، وإجراء تجارب عملية خارج الأُطر التقليدية للصناعة. ويكشف التقرير أيضاً تأثير النهج الاستراتيجي المدروس ودوره في تشجيع الشركات الناجحة على دخول ميدان التحدي مع منافسين لهم باع طويل في هذا القطاع، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة المبيعات والأرباح، بالإضافة إلى ازدياد نشاط عمليات الاندماج والاستحواذ، وإبرام صفقات ناجحة للأسهم الخاصة. وهذا الأمر يحدّد الملامح الأساسية لمنظومة تطوير قطاع الآلات والمعدات خلال الفترة القادمة التي تتراوح بين سنتين وحتى 3 سنوات للتعامل مع الأسس والعناصر التي تواكب عمليات التغيير نحو عالم أكثر تطوراً.
وبهذه المناسبة صرح مايكل ستايبي، مدير قطاع الآلات والمعدات العالمية في شركة بين أند كومباني: “إن التحوّلات التي تقود عجلة تطوير قطاع الآلات والمعدات بالكامل، ستكون مدفوعة بالمنافسة المتزايدة، والتباطؤ في الابتكار الذي يركّز على الآلات، والتحوّل الرقمي لرسم ملامح مستقبل واعد”.
وتابع حديثه حول نهج تطوير الآلات والمعدات: “لم يعد النهج التقليدي للصناعة المعتمد على الآلات الذكية الأسرع منافسة والأرخص ثمناً، عاملاً أساسياً لدفع مسيرة النمو وتحقيق النجاح المنشود، إذ يُمكن أن تعاني أكثر الآلات تقدّماً من الأعطال التي تحد من إنتاجيتها”.
يتناول التقرير ضرورة القيام بالتحوّل الأساسي في الوقت الراهن، من “عصر ما بعد الآلات” إلى استخدام منهج “توظيف الآلات للخدمة” لدعم الصناعة عبر الجمع بين الأجهزة والمعدات وعالم البرمجيات والأتمتة والخدمات المطورة التي تزيد من كفاءة الآلة. ما يعني تقديم حلول متكاملة مصممة لتلبية احتياجات العملاء، بحيث أعدت ضمن نماذج عملية جديدة ومبتكرة.
كما صرح كريم شريف، الشريك في شركة بين أند كومباني الشرق الأوسط، ورئيس قسم المعدات ومنتجات البناء والعقارات وخدمات الأعمال للشركة في فروعها بمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا: “وصل قطاع الآلات والمعدات الصناعية إلى نقطة تحوّل فارقة. إذ نشهد اليوم موجة كبيرة من التحوّل والتغيير في القطاع على المستوى الإقليمي، ويُمكن القول إنها الأكثر تأثيراً منذ عقود من الزمن. كما تُعتبر الحاجة الملحة للتغيير من أهم العناصر على الإطلاق لصياغة مرحلة عمل جديدة تهدف إلى إنشاء عمليات مستدامة، ومتنوعة، وشاملة اجتماعياً وبيئياً. وتلجأ المؤسسات والشركات للاستثمار إلى حدٍ كبير في ميدان التحوّل الرقمي والتكنولوجية، ما يحد من تطوير القوى العاملة وصقل مواهبها. ويختلف المخطط الزمني للتغيرات الحاصلة بصورة أساسية اعتماداً على القطاعات الفرعية، الأمر الذي يضع صنّاع القرار في حالة من عدم الاستقرار لتطبيق السياسات الملائمة”.
الحلول المبتكرة التي ترتكز على خدمات “النهج المتبع في المستقبل” للآلات
يوضّح التقرير أن التحوّل العملي إلى نموذج “الحلول المجمعة” المدعومة بالتقنيات الرقمية والقائم على الخدمات يتطور بوتيرة سريعة. وتشير أبحاث شركة بين أند كومباني إلى أن التحوّل الحاصل في قطاع الأتمتة الصناعية سيؤدي إلى خفض نسبة الأرباح القادمة من الأجهزة من 31% في الوقت الحاضر إلى نسبة 23% في نهاية العقد. وتنحصر باقي الأرباح من البرامج والخدمات والحلول المجمعة. وفي بعض القطاعات، تحرز الشركات أكثر من نصف مبيعاتها ونسبة 100% من أرباحها من قطاع الخدمات.
كما صرح توماس لوستجارتن، قائد قطاع التصنيع والخدمات العالمية المتقدّمة في شركة بين أند كومباني: “يشهد اتجاه ’النهج المتبع في المستقبل‘ في قطاع المعدات نمواً متسارعاً، وسيغدو استراتيجية يُعتمد عليها خلال السنوات القليلة القادمة”.
وتابع قائلاً: “تتوقع شركة بين أند كومباني بحلول عام 2030، أن تعمل الشركات الرائدة على بيع المعدات والآلات، في إطار منهجية الحلول المجمعة التي تربط بين البرامج والخدمات، الأمر الذي يقلل نسبة الاعتماد على الآلات لكسب الأرباح. وتحظى الشركات التي تعتمد على هذا النمط من التحوّل بفرصة الحصول على معدلات نمو في السوق تفوق الشركات التي تعتمد على النمط التقليدي في إدارة أعمالها”.
وجدت شركة بين أند كومباني، خلال الأبحاث التي أجرتها على أكبر شركات الآلات أن متوسط نسبة إجمالي العائد السنوي للمساهمين كانت 32% منذ عام 2019 إلى عام 2021، وبفارق ضئيل نسبته 4% مقارنةً مع الشركات التقليدية في القطاع. إذ لم تتبع معظم الشركات الآلات تحركاً سريعاً للارتقاء بأساليبها حتى الوقت الراهن. وكشفت شركة بين أند كومباني أن أقل من 5% من الشركات الصناعية قد نجحت في تنفيذ تحوّل قائم على التحوّل الرقمي.
وأضاف توماس لوستجارتن حول ذلك قائلاً: “الشركات الصناعية التي كرست جهودها في مجال التحوّل الرقمي، مرشحة للتفوق بأربع مرات عند دخول مضمار المنافسة، وذلك وفقاً لمسح أجرته شركة بين أند كومباني خلال عام 2019 والذي شمل 205 شركة صناعية”.
“التأهب والاستعداد” لمواكبة نهج الاستدامة العالمية، وصافي الانبعاثات الصفري يخلق آفاقاً جديدة للتعاقد
تشكّل التحوّلات الشاملة القائمة على قوى التحوّل الرقمي و”الصناعة 4.0″ في قطاع الآلات والمعدات، جزءاً من العمليات التطويرية للقطاع. وتتيح إعادة تشكيل الصناعة بدورها فرصة هائلة، لتكوين استجابة قوية للدفع العالمي للشركات بهدف مواكبة الاستدامة والمسؤولية البيئية والسيطرة عليها؛ لتصبح أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وتقليل الهدر، والعمل على تحسين دائرة الإنتاج عبر تفصيل عمليات، وتفعيل منهجية عمل الآليات على إعادة التدوير.
كما هو الحال في القطاعات الصناعية الأخرى، تعمل شركات تصنيع الآلات على إجراء تغيير مستمر في إطار هيكلية العمليات وسلاسل التوريد، بهدف تقليل الغازات الناجمة عن الاحتباس الحراري وانبعاثات الكربون وصولاً لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري. وفي الوقت نفسه يشهد هذا القطاع بالتحديد الكثير من التحديات التي تزداد وطأتها باستمرار. ونظراً للتغير الحاد الذي يطرأ على كل صناعة على حدة، فإن اتباع منهجية “التأهب والاستعداد” يجري العمل عليها، حيث تعيد كل شركة صناعية وتصنيعية دراسة هيكلية عملياتها. وكشف التقرير أن شركات الآلات التي تعي مقدار إمكانياتها وتطوّر منتجاتها وخدماتها، بهدف تحقيق أهداف الحياد الكربوني، من المرجح أن تكسب الجولة الأولى في عملية الانتقال الضخم تحقيقاً لأهدافها خلال سنوات، في الوقت الذي يتطلب تنفيذها عقوداً من الزمن.
مواجهة سلسلة التوريد للتحديات وإعادة هيكليتها لتجربة مرنة
ترتبط فرص الارتقاء بالقطاع وتحقيق أهداف الاستدامة على الصعيد العالمي، على نحوٍ وثيق بالتحدي الذي يمثّله عصر جديد من ضعف سلسلة التوريد، حيث عانت في قطاع الآلات على مدى العامين الماضيين من اضطرابات رئيسية، وذلك نتيجة نقص المواد، وتقلبات الأسعار التي أثارتها الأزمة الصحية العالمية، بالإضافة إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا. وتساهم هذه الاضطرابات الاستثنائية والمستقبلية على توسيع نطاق السوق لجهات تصنيع الآلات، لتزويد العملاء بالمعدات في المستقبل، مما يضمن سلاسل توريد تتمتع بالمرونة والاستدامة.
يُظهر التقرير الذي أجرته شركة بين أند كومباني أن الشركات والمؤسسات المعنية بسلسلة التوريد في مختلف مجالات الصناعة، عملت على توظيف الاستثمارات وإعطاء الأولوية للمرونة في عملياتها الخاصة وترجيحها على التكلفة والسرعة. وتشكّل الأدوات الرقمية عاملاً مهمًا في هذا النطاق، وتدعم الشركات في إدارة مخاطر سلسلة التوريد، وتحسين الكفاءة العملية، وإمكانية قياس الأثر البيئي، فضلاً عن تقدير التكلفة على نحوٍ منسجم مع الزمن.
الشركات التي تتبع هذا النهج لها الأولوية في الحصول على ميزة التنافسية في الأسواق عام 2030 وفي المستقبل. إذ تعمل على بناء قدرات جديدة، تتمثّل في تقييم مخاطر التوريد، في سبيل توفير الدعم اللازم للعملاء وعملياتهم الخاصة على حدٍ سواء. كما أنها ستتعافى بشكل أسرع عند التعرض للتحديات المتمثّلة في اضطرابات الإمداد، وتكسب الدعم من العملاء والمستثمرين والجهات المنظّمة.
الصين تتصدر طليعة الابتكار في مجال الصناعة لتتولى قيادة ما يحتم التغيير الاستراتيجي
يمضي الفائزون في قطاع الآلات خلال العقد القادم بخطى ثابتة لتوسيع منظومة أعمالهم إلى ما بعد فترة الاعتماد على الآلات، والشركات الأخرى ستكافح من أجل مواكبة ذلك النهج. بينما ستعاني الشركات التي لم تتمكن من تسلق سلم العمل معتمدة على البرامج المؤتمتة والأنظمة الرقمية، من التكيّف مع نماذج الأعمال الجديدة، وستصبح عرضة للخطر من التسليع المتزايد للآلات المباعة كأجهزة فقط. بينما تقوم الشركات المصنّعة الصينية بتطوير أجهزة منافسة منخفضة التكلفة بسرعة كبيرة.
تُعتبر الصين في قائمة الدول التي دخلت ميدان التحدي التنافسي، وتُعد في طليعة توجّهات الصناعة الأوسع نطاقاً التي أُدرجت في التقرير، إذ قدّمت الشركات التكنولوجية الصينية الناشئة والعديد من المبتكرين آفاقاً جديدة من عروض الخدمات المبتكرة. ويُعد جهاز Machine Commander الذي قامت شركة Zeaho الصينية الناشئة بتصنيعه لتقديم الخدمات السحابية، والذي يعمل على مراقبة مواقع البناء لتحسين كفاءة المعدات، إذ تمتلك الشركة 135 ألف وحدة من المعدات المتصلة بالمنصة القائمة على السحابة منذ تأسيسها من سبع سنوات.
تعمل أسواق المعدات على زيادة معدل الاستثمارات في التقنيات الرقمية، وتسريع نشر الخدمات المتقدّمة. على سبيل المثال: 100% من الشركات المصنعة للمعدات الأصلية ممن شملها الاستطلاع الذي أجرته شركة بين أند كومباني، حيث تخطط لتقديم “الصيانة التنبؤية” للآلات بحلول عام 2024. فضلاً عن توفير 95% من أساليب الصيانة عن بُعد، والخدمات الجديدة الموجّهة نحو زيادة الكفاءة التشغيلية.
سجلت عمليات الاندماج والاستحواذ أعلى مستوياتها خلال عقد من الزمن، وتعمل الشركات على تسريع تحركاتها لتعزز القوة الشرائية
تحفّز موجة التغيير الحاصلة في قطاع الآلات التوسّع في إبرام الصفقات، حيث تقوم العديد من الشركات ومستثمروها بإعادة تشكيل هيكلية أجندة الأعمال في سبيل مواجهة ديناميكيات الصناعة المتطورة. وتمتلك الشركات المصنعة للآلات الصناعية تطلعاً للصفقات الكبيرة، لذا تقوم بدفع هذا النمط من الاستراتيجيات.
القفزة النوعية في مجال الاندماج والاستحواذ تعني أن متوسط حجم الصفقات في القطاع ارتفع إلى متوسط 179 مليون دولار في عام 2020 ومبلغ 161 مليون دولار في عام 2021، ما ساهم في تعويض النقص السائد نتيجة الهبوط الحاصل في البيانات حتى عام 2017. ومثّلت قيمة الصفقة العالمية البالغة 63 مليار دولار في العام الماضي أعلى ثانية صفقة في هذا القطاع خلال العقد الماضي، ولم يتجاوزه سوى صفقة واحدة بمبلغ 72 مليار دولار أُبرمت في عام 2020.
وفي هذا النطاق صرح مايكل ستايبي قائلاً: “توفّر عمليات الاندماج والاستحواذ للشركات والمؤسسات المعنية في مجال الآلات إمكانية الوصول إلى الأسواق التي تشهد معدل نمو مرتفع وتمتلك أهمية استراتيجية. وتحرص تلك الشركات على اكتساب قدرات جديدة في مجال البرمجيات وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والاتصال، والمصنفة ضمن أعلى التقييمات، بهدف مواجهة التحدي عبر الاعتماد على التحوّل الرقمي، للانتقال إلى الحلول القائمة على الخدمة”.
وأضاف: “لا نتوقع أن يتباطأ زخم صفقات الاندماج والاستحواذ الكبيرة في قطاع الآلات”.
تشكّل صفقات الأسهم الخاصة أداءً سريعاً لإبرام صفقات الآلات عند ارتفاع التقييمات والعوائد
تُعد صناعة الآلات في الوقت الراهن من القطاعات الصناعية الأكثر نشاطاً في صفقات الأسهم الخاصة العالمية، حيث تتفوق صفقات الآلات والمعدات على تلك الموجودة في القطاعات الصناعية الأخرى.
وقد سُجلت أكبر صفقات الأسهم الصناعية في مجال الآلات، نذكر منها على سبيل المثال: شراء شركة Advent and Cinven لمصاعد Thyssenkrupp في عام 2020 بقيمة 17.2 مليار يورو (20.2 مليار دولار أمريكي). وعلى مدار العقد الماضي، وجدت شركة بين أند كومباني أن مثل هذه الصفقات أنتجت عوائد أعلى بنسبة 10% من المعدل الإجمالي، كما يتضح أن متوسطرأس المال المستثمر بلغ 2.5، كما نمت القيمة التقديرية لشركات الآلات بمعدل 1.9 مرة.
تكشف صفقات الأسهم فرصاً لإعادة وضع أعمال شركات الآلات التقليدية وسط توجّهات واسعة تعيد تشكيل القطاع جذرياً. وتتخذ الصناديق بأدائها الناجح نهجاً شاملاً لخلق القيمة، وتتطلع إلى تحقيق ما هو أبعد من هياكل التكلفة، بهدف الاستفادة من كافة التحسينات، التي تشمل التميّز التجاري والخدمي، والتكلفة السعرية، وعمليات الاندماج والاستحواذ.