مقالات

«التجارة» بتصريح وزير التجارة.. الأمريكي

بقلم: جاسم مرزوق بودي- مالك مجموعة الراي الإعلامية- الكويت

ما كنت أود الكتابة في موضوع تصريح وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك حول دفع بلاده 100 مليار دولار لتحرير الكويت، وبالتالي كافأت الكويت بلاده بفرض تعرفة جمركية عالية، لكنني عدلت عن رأيي لآن بعض الردود على وزير التجارة كانت “تجارة” بحد ذاتها، و بدأت بالتصريح الأمريكي نفسه وأقحمته في القضايا الداخلية تلميحا وتصريحا.

  • في البدء، من هو وزير التجارة الأمريكي كي يعطى تصريحه كل هذه الضجة؟
  • هل هو معصوم عن الخطأ مثلا؟
  • هو شخص شارك في جمع التبرعات لرئيسه دونالد ترامب وأبلى في ذلك بلاء حسنا وكوفئ بمنصبه.

إذا، هو وزير اليوم وقد لا يكون في منصبه بعد فترة خصوصا أن الجميع تعود على تغيير الوزراء في إدارة ترامب السابقة.

قد يكون التوقيت مقصودًا، في إطار رسم صورة خارجية داعمة تحرص إدارة ترامب على تظهيرها وهي أن دول الخليج الصديقة للولايات المتحدة ستقدم بحماسة على الاستثمار الضخم في أمريكا، بينما سعادة الوزير لا يريد تسليط الضوء على الاستثمارات الضخمة الكويتية القائمة فعليا داخل الولايات المتحدة وتلك القادمة في الطريق.

وقد يكون المضمون مقصودًا، كرسالة انزعاج من التقارب الكويتي الصيني وهو بالمناسبة تقارب خليجي شامل دخل حيز المشاريع التنفيذية ولم يقتصر على الاتفاقات الموقعة فقط. أو قد يكون رسالة انزعاج أخرى من موقف الكويت الثابت في موضوع القضية الفلسطينية والتزامها حل الدولتين والأرض مقابل السلام وفقا لمبادرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز التي أصبحت مبادرة عربية تحظى بموافقات دولية.

وقد يكون كل ما جرى “شطحة” إعلامية شعبوية من الوزير موجهة للداخل الأمريكي بأن هذه الإدارة لا تجامل في تحصيل ما تعتبره حقوقا مالية للأميركيين ومكافأة الشركات الكبرى التي دعمت الرئيس الجمهوري.

بغض النظر عن كل ما سبق، وبغض النظر عن ارقام “سعادة” الوزير المليارية حول تكلفة التحرير، وعن فرية ان الكويت تفرض تعرفة جمركية عالية وهي نفسها المعتمدة في دول الخليج العربي لا بد من التوقف عند التالي:

  • أولًا: استغراب هذه العاصفة من ردود الفعل وتحميل الموضوع ما لا يحتمل، فمن قرأ وسمع اعتقد أن حربا أمريكية – كويتية ستحدث، او ان خللا حصل في الموازين الإقليمية، أو ان تصريح سعادته سيفتح شهية الاطماع الخارجية في الكويت استنادا الى ان العلاقات التاريخية مع أمريكا على وشك ان تنقطع.
    هذا وزير، ومفهوم لماذا صرح في إطار الانتماء الى منظومة الإدارة الجديدة في أمريكا ، اما غير المفهوم فهو إعطاء انطباع بأن الكويت هشة الى درجة ان تصريحا يهزها.
  • ثانيًا: الكويت دولة مؤسسات وهي تتقن التعامل مع دول العالم وخصوصا مع الولايات المتحدة. والعلاقات بين الطرفين مبنية على أمور كثيرة اهم وأكبر من رقم يرمى في الإعلام و”تهمة” جمركية غير موجودة. صار لدينا في دقائق مئة وزير خارجية وألف سفير ونصف مليون محلل استراتيجي وتجاوزت التوقعات سقف الخيال وشعر البعض بأن عليه توضيب حقيبته وانتظار ساعة السفر كون الأزمة مع أمريكا مرشحة للتصعيد.
  • الأمر في بساطة، تحت مظلة التحرك الديبلوماسي الكويتي الذي شكل حصنا مهما في التعاطي مع الأمور الدولية وكان بحق مدرسة تعلم منها كثيرون. فليقل الأمريكي ما يريد ولنقل نحن ما نريد… والفضاء الإعلامي والسياسي مفتوح في الآتجاهين.
  • ثالثًا: أن التصريح عبارة عن ضغط أمريكي والضغط الأمريكي سيتبعه ضغط دولي كون العالم بأسره غير راض عن بعض الخطوات الداخلية الكويتية، أي نقل التصريح من اطاره المحدد الذي ذكرناه سابقا الى مكان آخر يتم فيها اقحام الأمور الخارجية بالأوضاع الداخلية.

وسامحوني إن قلت أنه بموازاة الآراء الكويتية الجدية المحترمة، كان البعض أقرب الى التشمت منه الى التحليل، والبعض الآخر أقرب الى التشجيع والتحريض من القراءة الواقعية، والبعض الثالث اتخذ ما اعتبره “نصحا” طريقا لتوجيه الحكومة الكويتية نحو بعض الخطوات الداخلية رابطا بين قراراتها الأخيرة وبين ما اعتبره “غضبًا أمريكيًا”.

هذه الكويت، دولة ذات سيادة، والكويتيون ما عرف عنهم عند أي أمر خارجي الا التوافق والالتفاف حول شرعيتهم.

إذا كان تصريح لوزير أمريكي ينتقد الكويت ولو من باب الافتراء يحدث عندنا كل هذا الدخان فماذا سيكون موقفنا أن سمعنا لاحقا ما هو اكثر من الانتقاد؟ وما هم الكويت من هدير الآخرين؟ ينتقدون فننتقد ويفترون فنرد ويصعدون فنعالج.

وإلى مئات السفراء ووزراء الخارجية الذين نبتوا في وسائل التواصل وأطلقوا العنان لتحليلاتهم، تذكروا انها ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها ادارة الرئيس دونالد ترامب عن الكويت، بل تحدث الرئيس نفسه قبل سنوات بما هو أشد وأمر ومع ذلك استمرت العلاقات على أفضل ما يكون.

نعيد ونكرر، أن كان تصريح وزير التجارة شطحة إعلامية شعبوية او إذا حمل رسائل لها دلالات معينة، فالرد عبر المؤسسات والقنوات الثنائية، والأهم، ألا يقحمه الكويتيون في أمورهم الداخلية، لأن هذا الباب جلاب الشرور وإن تم فتحه نكون كمن يطلق النار على قدمه.

لنتق الله جميعا بالكويت في العشر الأواخر… وفي كل يوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى