مقالات

ضرورة التنمية الرقمية والشراكات بين العام والخاص في الدول الأقل نموًا

بقلم: براد سميث- نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس شركة مايكروسوفت

يجتمع الأمين العام للأمم المتحدة في الخامس من مارس الجاري مع القادة من مختلف أنحاء العالم، وغيرهم من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والقطاع الخاص في العاصمة القطرية الدوحة، من أجل تسريع مساعي التنمية المستدامة في الدول الأقل نمواً حول العالم.

مرّت خمسون عاماً منذ صنّفت الأمم المتحدة الدول الأقل نمواً في العالم على أنّها الدول الأكثر احتياجاً للفرص الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لتحقيق التطور. وفي حين يُشكل سكان هذه الدول الـ 46 حوالي 13% من إجمالي سكان العالم، لا تتجاوز حصتها من الناتج الإجمالي والنشاط التجاري العالميين حاجز الـ 1.5 و1%، على الترتيب. ويُعد هذا مؤشراً واضحاً على ضرورة بذل المزيد من الجهود في هذا الصدد.

وبدورنا، نتخذ عدداً من الخطوات الجديدة لاستخدام التقنيات الرقمية لتعزيز الفرص المتاحة أمام الدول الأقل نمواً، بما فيها التعاون الجديد مع شركة “ليكويد إنتلجنت تكنولوجيز” لتوفير تغطية الإنترنت لعشرين مليون شخص إضافي في إفريقيا من خلال مبادرة “إيرباند” الخاصة بمايكروسوفت؛ إضافة إلى مبادرة صقل المهارات الجديدة مع المنظمة الدولية لأصحاب العمل وشركة “ساينابس” للوصول إلى 20 ألف من الشباب والسيدات ورواد الأعمال؛ واتفاقية مع فرع إفريقيا لمكتب الشريف للفوسفاط لتطوير منصته الزراعية الرقمية وتحسين سبل دعم المزارعين بشكل ميداني؛ والمشروع الجاري حالياً مع “بلانيت لابز” و”معهد القياسات الصحية والتقييم” لاستخدام الذكاء الاصطناعي وبيانات الأقمار الاصطناعية لتحسين فهم أنماط الهجرة الناجمة عن المناخ والوصول إلى رؤى جديدة لمساعدة المؤسسات والحكومات على تعزيز الدعم المقدم لصحة الناس حول الكوكب وجودة حياتهم.

وفي إطار التزامنا الراسخ برسالة الأمم المتحدة وطموحاتها، تترأس مايكروسوفت منتدى القطاع الخاص ضمن مؤتمر الأمم المتحدة الخامس المعني بالدول الأقل نمواً، حيث سنستكشف السبل المتاحة لتعزيز دور التنمية الرقمية في تحقيق هذه الأهداف وبلورتها على أرض الواقع.

بإمكان القطاع الخاص أن يلعب دوراً رئيسياً في توفير الفرص لـ 880 مليار شخص يعيشون في الدول الأقل نمواً، حيث تقتصر إمكانية استخدام الإنترنت في يومنا الحالي على 36% من السكان فقط، ولذا من الضروري أن تؤدي مايكروسوفت دورها في هذا الصدد بكل كفاءة. وقبيل انطلاق فعاليات منتدى القطاع الخاص المرتقب الأسبوع المقبل، تشارك مايكروسوفت تفاصيل جديدة حول الشراكات ذات الصلة، لا سيما تلك المتمحورة حول مجالات البنية التحتية الرقمية وصقل المهارات الرقمية والتنمية الرقمية.

البنية التحتية الرقمية: الارتقاء بواقع الاتصالات في إفريقيا

ستواصل مبادرة “إيرباند” من مايكروسوفت توسيع حضورها العالمي من خلال الاتفاقية الجديدة مع شركة “ليكويد إنتلجنت تكنولوجيز” الهادفة إلى توفير تغطية الإنترنت لعشرين مليون شخص إضافي في إفريقيا بحلول عام 2025.

وتُضاف هذه الشراكة إلى الإنجازات التي سبق وأن تحققت بموجب تعهد الشركة الأخير بإيصال خدمات الإنترنت عالي السرعة لـ 250 مليون شخص من سكان المناطق غير المخدمة أو منقوصة الخدمة حول العالم، بمن فيهم 100 مليون شخص في أفريقيا.

أُطلقت مبادرة “إيرباند” لتعزيز إمكانية الوصول إلى الإنترنت السريع لأولئك المحرومين من هذه الخدمة، بما يسمح لهم بالاستفادة من الفرص التي يطرحها التواصل مع العالم الرقمي. تجمع المبادرة منظومة واسعة النطاق لتصميم برامج الاتصال ذات الأهمية على المستوى المحلي وتنفيذها ودعمها، بما في ذلك مزودي خدمات النطاق العريض بواسطة الألياف الضوئية ومزودي خدمات الإنترنت المحليين للاتصال في الميل الأخير وشركاء الطاقة والمؤسسات الدولية والحكومات المحلية.

تُشغل شركة “ليكويد إنتلجنت تكنولوجيز” أضخم شبكة مملوكة بشكل مستقل في أفريقيا، علماً أنّ شبكتها تحتوي على 100 ألف كيلومتر من كوابل الألياف الضوئية في جميع أنحاء أفريقيا. وسيصل هذا البرنامج إلى مجموعة من الأسواق في مختلف أنحاء أفريقيا، بما فيها الدول الأقل نمواً، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا. وإلى جانب ذلك، ستعزز الشراكة من توافر الاتصال عالي السرعة في كل من كينيا ونيجيريا وتنزانيا وجنوب أفريقيا.

صقل المهارات الرقمية: تعزيز مساعي بناء القدرات والأمن

برغم أهميتها، تمثل البنية التحتية جانباً واحداً فقط من الصورة الأكبر. يحتاج رواد الأعمال والعاملون في هذه المنطقة إلى المهارات أيضاً ليستطيعوا استخدام هذا النوع الجديد من الاتصالات بأفضل طريقة ممكنة. تتوفر برامج صقل المهارات اليوم في العديد من المناطق عبر الدول الأقل نمواً، غير أنّ الكثيرين يواجهون مشكلة الإقصاء بسبب العرق أو الجنس أو المنطقة الجغرافية أو النزوح أو غيرها من المعوقات. ولهذا السبب صممت مايكروسوفت جميع برامجها وشراكاتها ومواردها لتلبي احتياجات الناس بصرف النظر عن المستوى المهاري الذي وصلوا إليه. ومع ذلك، لا يُمكن لمؤسسة واحدة أن تُنجز هذا الهدف لوحدها؛ إذ لا بد من تضافر جهود وكالات الأمم المتحدة والحكومات والأطراف المعنية محلياً والقطاع الخاص لحشد الموارد اللازمة في المجتمعات التي تواجه أكبر التحديات للاتصال بالشبكة.

نُعلن اليوم عن مبادرة مشتركة مع “المنظمة الدولية لأصحاب العمل” وشركة “ساينابس” لتدريب 5 آلاف من رواد ورائدات الأعمال في كُلّ من الدول الأربعة الأقل نمواً (جمهورية الكونغو الديمقراطية، وليسوتو، والسنغال، وأوغندا)، بمجموع إجمالي يصل إلى 20 ألف شخص، وذلك باستخدام المحتوى التدريبي الخاص بمنصتي لينكدإن ومايكروسوفت. وسيتعلم المتدربون والمتدربات المهارات الرقمية والتجارية وتلك الخاصة بالتوظيف. إلى جانب ذلك وبالتوازي مع اتساع رقعة تغطية الإنترنت، ستظهر الحاجة إلى المزيد من الموارد لحماية المنظومة الرقمية المتنامية والأشخاص الذين يتعلمون سبل التعامل مع الشبكة. يُركز أحد جوانب برنامج “مهارات من أجل العمل” الخاص بنا على الإسهام في تطوير المواهب في مجال الأمن السيبراني، بما في ذلك في منطقة إفريقيا، وذلك من خلال توفير الوصول المجاني إلى دورات التدريب المجانية على الأمن السيبراني على منصة لينكدإن.

التنمية الرقمية: تطوير منصة خاصة لتعزيز مرونة القطاع الزراعي

ندرك، بينما نعمل على تعزيز مهارات رواد ورائدات الأعمال وتطوير الاقتصاد الرقمي في كل من هذه الدول، بأنّ مساعدة القطاع الزراعي، الذي يستأثر بالحصة الأكبر من القوى العاملة في العديد من الدول الأقل نمواً، تعلب دوراً محورياً في ضمان نمو الاقتصاد المحلي.

تبرز الحاجة في ضوء ما يشهده العالم من تزايد في مستويات انعدام الأمن الغذائي لتعزيز مرونة صغار المزارعين وسبل عيشهم، من أجل زيادة الإنتاجية الزراعية والحد من الخسائر في سلسلة الإنتاج الغذائي. ومن ناحية أخرى، تكتسب جوانب التكيّف والمرونة أهمية خاصة بالنسبة لتحويل النظام الغذائي، لا سيما مع زيادة آثار الظواهر المناخية من حيث الشدة والوتيرة.

ومن ناحية ثانية، ينضم فرع أفريقيا لمكتب الشريف للفوسفات، المزود الرائد لحلول الأسمدة المتكيفة مع الظروف المحلية ومع احتياجات التربة والمحاصيل في جميع أنحاء أفريقيا، إلى مايكروسوفت في شراكة تهدف إلى دعم منصته الزراعية الرقمية وتطويرها. ترفع هذه الخطوة من سوية إنتاج المزارعين وتفسح لهم المجال لتحسين سبل إدارة أعمالهم. ستثمر الشراكة بين الطرفين عن تطوير المنصات الزراعية بشكل سريع على امتداد طيف واسع من المناطق الجغرافية الجديدة والقائمة، بما يسهم في تحسين الخدمات المقدمة وطرح الخدمات الجديدة. ستسهم هذه المساعي بالتعاون مع مايكروسوفت في دعم 40 مليون مزارع وغيرهم من الأطراف المعنية في القطاع الزراعي في أفريقيا بحلول عام 2030.

استخدام البيانات والذكاء الاصطناعي لمساعدة البشر والكوكب ككل

يسفر الاحتباس الحراري عن ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم، علماً أنّ العبء الأكبر يقع على عاتق الدول الأقل نمواً. ستلعب عوامل المرونة والقدرة على التكيف مع المناخ المتغير دوراً حاسماً على مدى العقود الثلاثة المقبلة. يتسنى لنا الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الاصطناعية والنمذجة التنبؤية لتوقع ما سنحتاج إليه لتعزيز الأمن الغذائي العالمي وتحسين صحة السكان وتحسين البنية التحتية لدعم المجمعات الهشة. تتعاون مايكروسوفت مع بلانيت لابز ومعهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن لتحسين سبل فهم هذه الأنماط والخصائص. ويتمثل هدفنا في الوصول إلى رؤى جديدة تسمح للحكومات والأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية ومشغلي سلسلة التوريد بإيصال الموارد الضرورية لحماية صحة سكان الكوكب وجودة حياتهم في كل مكان.

ومن جهة أخرى، تعكس التطورات المحرزة في مجال الذكاء الاصطناعي الفرصة الكبيرة المتاحة للمضي قدماً في مجال تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وبرغم عدم وجود حلٍّ سحري، تستطيع التقنيات المبتكرة، مثل الذكاء الاصطناعي، توفير طرق جديدة وواقعية لمواصلة العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويعزز هذا من ضرورة تطوير البنية التحتية وصقل المهارات الرقمية لإيصال هذه الأدوات إلى الأشخاص المعنيين في الدول الأقل نمواً وتجنب حدوث الفجوة التنموية.

مايكروسوفت في منتدى القطاع الخاص: العمل يداً بيد للمضي قدماً في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة

يتمحور دور مايكروسوفت في منتدى القطاع الخاص في الدولة الأقل نمواً حول تعزيز جهودنا لتطوير الشراكات مع الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات العالمية ذات الصلة للإسهام في دعم مساعي تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة كجزء من أجندة 2030. وكما سبق لنا وأكّدنا في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، نؤمن بأنّ التقنية هي الأداة الرئيسية لتحفيز هذا التقدم، علماً أنّنا وصلنا إلى منتصف الطريق فيما يتعلق بتحقيق هذه الأهداف بحلول عام 2030. قطعنا أشواطاً كبيرة بلا شك، ولكن ما زال أمامنا الكثير لننجزه.

يُعد التزام مايكروسوفت بتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة جزءاً متأصلاً من شراكتنا التاريخية مع الأمم المتحدة على مدى عشرين عاماً، ويدعم ميثاق الأمم المتحدة بما ينسجم مع رسالتنا الرامية إلى تمكين كل فرد ومنظمة على هذا الكوكب لتحقيق المزيد. في عام 2020، شكلت مايكروسوفت فريقاً لتكريس وتعزيز التزامها برسالة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، وغيرها من المؤسسات المتعددة الأطراف والإقليمية والمصارف التنموية والحكومات والمجتمعات المحلية وغيرها من الأطراف المعنية.

وأمّا في عام 2023، تمنحنا التغيرات المتسارعة في التقنيات المبتكرة، مثل الذكاء الاصطناعي، والقدرة على تعميق الشراكات متعددة الأطراف، بالاقتران مع المساعي التي يبذلها فريقنا المتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، فرصة حقيقية للمضي قدماً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وباعتباري أحد أبرز داعمي أهداف التنمية المستدامة، آمل أن تتضافر جهودنا لاغتنام الفرصة المتاحة بين أيدينا. أصبحت الحاجة إلى الشراكات بين القطاعين العام والخاص أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. فلم تعد المسألة نوعاً من النشاط الخيري بعد اليوم، بل ضرورة ملحة لجميع الشركات. ولذا، أتوجه للجميع بنداء للتحرك وبذل المزيد من الجهود في هذا الصدد.

من الضروري بالنسبة لنا جميعاً أن نواصل الابتكار، يداً بيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى