تقرير جديد لـ«معلومات الوزراء» يستعرض محددات المدن الخضراء
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً جديداً بعنوان “المدن الخضراء الإطار والممارسات العالمية”، استهدف من خلاله إلقاء الضوء على مفهوم المدينة الخضراء، وتبسيط تعقيد محددات هذا النمط من المدن من خلال استعراض الاتجاهات العالمية حول المدن الخضراء وأهم الممارسات الدولية والقطاعات المختارة لقياس أدائها.
وأشار التقرير إلى مشروع المدن الخضراء التابع للمفوضية الأوروبية والذي يحدد خصائص المدن الخضراء وهي “الهواء النقي والمياه النظيفة والتربة الصحية والتنوع البيولوجي، وتوافر طعام صحي بأسعار مناسبة، وتوافر المزيد من المباني الموفرة للطاقة، وتوافر المزيد من وسائل النقل العام، والتدريب على مهارات وظائف المستقبل، ووجود صناعة مرنة وقادرة على المنافسة عالميًا، وتوفير منتجات يمكن إصلاحها وإعادة تدويرها من أجل الاستهلاك المستدام، والابتكارات التكنولوجية صديقة البيئة.
واستعرض التقرير الإطار المفاهيمي للمدينة الخضراء، حيث اكتسب مفهوم المدينة الخضراء مسميات متعددة أبرزها المدينة “البيئية، صديقة البيئة، المدمجة، الإسفنجية، الدائرية…وغيرها”، وتشترك تلك المسميات مجتمعة في خصائص أساسية تتركز في الاهتمام بالآثار البيئية للتنمية الحضرية والإدارة الرشيدة للطاقة والموارد الطبيعية والنفايات بطريقة متكاملة وباستخدام التكنولوجيا النظيفة.
وأضاف التقرير أنه في ضوء المخاطر الكبيرة المتوقعة خلال السنوات القادمة على البيئة والتراجع في الموارد الطبيعية، تنامت المحاولات في اتجاه تعديل مسار النمو الاقتصادي ليتوافق مع الحفاظ على البيئة ومواردها المتجددة من خلال محددين رئيسين، الأول هو ترشيد الاستهلاك وتقليل الطلب على الموارد الطبيعية والخدمات وإدارة النفايات والانبعاثات، والثاني يتمثل في تعزيز الإنتاج والاستثمار للارتقاء بجودة الحياة.
واستعرض تقرير مركز المعلومات مؤشرات قياس أداء المدينة الخضراء حول العالم، والتي أصدرتها المؤسسات المعنية مثل “منظمة سيمينز للمدن الخضراء”، و”المنظمة الدولية للمعايير”، وخطة “الصفقة الخضراء الأوروبية المستدامة”، و”مبادرة المدن الخضراء” التي أطلقتها منظمة الفاو، ويمكن إجمال المحاور الرئيسية لتلك المؤشرات في أربعة محاور تسهم بشكل أساسي في التحول الأخضر للمدن وهي: “تعزيز استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، وتعزيز استخدام النقل المستدام، والإدارة الرشيدة للمياه والمخلفات الصلبة، والبناء الأخضر المستدام”.
ورغم اختلاف أولويات تنفيذ المدن الخضراء حول العالم، فإنها تشترك في ممارسات وأنشطة أساسية، هي “خفض انبعاثات الكربون، وتعزيز جودة الهواء، تقليل استهلاك الطاقة، استخدام موارد الطاقة الجديدة، والمتجددة، وتغيير أنماط الاستهلاك غير المستدامة، واللجوء إلى التنقل الأخضر، وترشيد استخدام المياه، وتقليل النفايات والمخلفات وإعادة تدويرها، واللجوء إلى البناء الأخضر، وتوسيع نطاق الزراعة الحضرية، وتعزيز المشاركة والاندماج الاجتماعي”.
ناقش التقرير تصميم المدن الخضراء، حيث يشهد العالم تحولًا حضريًا سريعًا ويسجل معدل التحضر نموًا سريعًا يبلغ 2.5%، وتستهلك المدن ثلث الطاقة في العالم وتنتج أكثر من ٧٠% من انبعاثات الغازات الدفيئة، وتولد ٥٠% من النفايات، وسيزداد الأمر صعوبة بحلول عام ٢٠٥٠؛ حيث من المتوقع أن يعيش نحو ٧ من كل ١٠ أشخاص في المدن مع زيادة متوقعة في حدة التغيرات المناخية وتكرارها، لذا تتجه ممارسات التنمية الحضرية في المدن الآن إلى التغلب على حدة التدهور البيئي، ويتم ذلك من خلال تحقيق التوازن بين الطاقة الاستيعابية للموارد وحمولة النظم البيئية المحلية في مواجهة التلوث بالحلول القائمة على الطبيعة، وتحقيق الحد الأدنى من المخرجات الملوثة.
أوضح التقرير أن هناك اختلاف في تصميم المدن الخضراء حيث تختلف نماذج تلك المدن فيما بينها، فيمكن أن تكون المدن الخضراء مدناً جديدة صُممت من البداية لتكون مدينة خضراء، مثل “مشروع المدينة المستدامة بدبي لاند، ومدينة مصدر بدولة الإمارات العربية المتحدة”، أو مدينة تقليدية تم تحويلها تدريجيًا إلى مدينة خضراء، مثل مدن عديدة أبرزها مدينة “باريس، وكوبنهاجن، وفانكوفر، وكولومبيا البريطانية، وكوريتيبا بالبرازيل” وغيرها من مبادرات المدن والصفقات الخضراء حول العالم.
استعرض التقرير المدن المدمجة والتي يمكنها مواجهة التحديات المتعلقة بـ “ارتفاع تكاليف البنية التحتية، وتراجع كفاءة الطاقة والموارد، وتآكل المزيد من الأراضي الزراعية والغابات، والتدهور في النظم البيئية”، وأيضًا يمكن لتلك المدن المدمجة تعظيم الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمدن، بما في ذلك زيادة الإنتاجية، وتخفيض البصمة الكربونية، بسبب اقتصادات التكتل، وتقليل الوقت المستغرق في الانتقال، وخفض استهلاك الطاقة والأراضي.
وتتعدد أشكال المدن المدمجة إلا أنها تشترك في ثلاث خصائص أساسية هي:
أولًا: أنماط التنمية الكثيفة والقريبة والتي تتمثل في “تكثيف استخدام الأراضي الحضرية، وتقارب التجمعات الحضرية وتجاورها من الأطراف الحضرية، ووجود حدود مميزة بين استخدامات الأراضي في المناطق الحضرية والريفية، وتأمين الأماكن العامة”.
ثانيًا: ربط المناطق الحضرية بأنظمة النقل العام والمتمثلة في “الاستخدام الفعال للأراضي الحضرية، وتسهيل أنظمة النقل العام في التنقل بين المناطق الحضرية”.
أما الخاصية الثالثة والأخيرة: فهي الوصول إلى الخدمات والوظائف المحلية والتي تتمثل في “الاستخدام المختلط للأراضي، وتمكن السكان من الوصول إلى الخدمات المحلية، إما سيرًا على الأقدام أو باستخدام النقل العام”.
وتضمن التقرير استعراض لدور المدينة المدمجة في تعزيز الاستدامة الخضراء وذلك من خلال تمكين السكان من الوصول إلى الخدمات الأساسية والترفيهية في فترة زمنية قصيرة تصل إلى ١٥ دقيقة سيرًا على الأقدام أو من خلال ركوب الدراجات؛ لأن المدينة المدمجة تقوم على فكرة اللامركزية في تقديم الخدمات المجتمعية، وبالأخص الخدمات التي تتطلب كثافة مرورية، مثل الرعاية الصحية والتعليم وتوفير الاحتياجات المنزلية المختلفة، ومن نماذج هذه المدن ” برشلونة في إسبانيا، ولاجوس في نيجيريا”.
كما استعرض التقرير فرص التنقل الأخضر داخل المدن المدمجة، ويشير مفهوم التنقل الأخضر إلى توفير أنماط وبدائل متعددة للحركة والتنقل ضمن شبكة الشوارع والفراغات العامة للمدن ويمكن الاقتراب من سمات التنقل الأخضر المستدام داخل المدن من خلال إتاحة “تحويل أماكن وقوف السيارات إلى حدائق، وشارع هادئ للمشاة والدراجات، وحديقة أسفل كل منزل، وطرق آمنة للأطفال، والمزيد من الخدمات المحلية”.
وناقش التقرير المدن الدائرية وإمكانات الاقتصاد الحضري الأخضر، حيث يُقصد بالمدن الدائرية تلك المدن التي تقوم بإجراءات تحول من الاقتصاد الخطي إلى الاقتصاد الدائري، وإعادة استخدام الموارد داخل حلقة مغلقة وبالتعاون بين الحكومة والمواطنين والقطاع الخاص، بهدف الاستفادة من الموارد الطبيعية وتقليل الهدر والنفايات بطيئة التحلل.
أشار التقرير إلى مؤشر شركة هولسيم ـوهي إحدى الشركات العالمية الرائدة في مجال حلول البناء المبتكرة والمستدامة ومقرها سويسراـ والذي يتكون من أربع ركائز أساسية، هي:
- الريادة الدائرية
- المعيشة الدائرية
- الأنظمة الدائرية
- البناء الدائري ويهدف إلى تسريع وتيرة النمو الأخضر
وجاءت كل من مدينة “سياتيل، ومونتريال، وتورونتو، وسيدني، وزيورخ، وأسلو، ولندن، وباريس” كأفضل ثماني مدن انتقلت سريعًا من الاقتصاد الخطي إلى الاقتصاد الدائري.
كما تضمن التقرير استعراض للمدن الإسفنجية ودورها في إدارة مياه الأمطار، حيث يهدف تصنيف المدن الإسفنجية إلى تقييم قدرات المدن في التعامل مع تزايد هطول الأمطار الغزيرة والآثار الأخرى لتغير المناخ، فقد تمكنت ثماني مدن، وهي “نيويورك ولندن وسنغافورة ومومباي وأوكلاند وشنجهاي ونيروبي وسيدني ومونتريال” من امتصاص المزيد من المياه أثناء هطول الأمطار، واحتلت مدينة “أوكلاند النيوزيلندية” المرتبة الأولى من بين تلك المدن بنسبة ٣٥ ٪ من “كونها مدينة إسفنجية”.
وتناول التقرير الزراعة الحضرية واستدامة نظم الغذاء وتمثل الزراعة الحضرية -والتي تعني زراعة الغذاء في المدن- أحد الحلول الطبيعية في تعزيز النظم الغذائية البيئية، واستدامة الغذاء الحضري، وتحسين الصحة العامة لسكان المدن وغيرها من المقومات الأخرى، وتشير مراكز المناخ التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية إلى قدرة الزراعة الحضرية على مواجهة انعدام الأمن الغذائي في المدن وضواحيها وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، ورفع الإنتاجية، وقد استعرض التقرير الخبرات الدولية في الزراعة الحضرية ومنها تجربة دولة سنغافورة حيث تولت وكالة الأغذية السنغافورية مسؤولية تبني الزراعة الحضرية من خلال سياسات عامة داعمة لهذا النمط من الزراعة، وذلك من خلال إطلاق مبادرة عام ٢٠١٩ بعنوان “30x 30” وتهدف إلى رفع مستوى مساهمة المنتجات المحلية في تلبية الاحتياجات الغذائية لسكان سنغافورة.
كما تناول التقرير الممارسات الزراعية الحضرية وتحقيق الاندماج الاجتماعي من خلال بعض الخبرات الدولية، حيث تشكل أنشطة الزراعة الحضرية مدخلًا مهمًا لتعزيز التماسك الاجتماعي، وتقليص الفجوة بين الأجيال والثقافات داخل المجتمع، فضلًا عن إدماج الفئات الأكثر احتياجًا والمهمشين والمهاجرين والنساء داخل مجتمع المدينة، وقد تجلى ذلك في تجربة مدينة “جويز دي فورا البرازيلية” حيث لجأت الحكومة المحلية إلى أنشطة الزراعة المدرسية لمواجهة ظاهرة أطفال الشوارع والمشردين ومتعاطي المخدرات، كما ساهمت برامج الزراعة المدرسية الحضرية بمدينة “ناكورو الكينية” في التغلب على ارتفاع أسعار الغذاء، وضعف قدرة الأسر على تلبية احتياجات الأبناء من الغذاء الصحي في الأحياء منخفضة الدخل من خلال دمج برنامج التغذية المدرسية مع الزراعة المدرسية، وإطلاق مبادرات التغذية الزراعية المدرسية.