«معلومات الوزراء» يستعرض التدابير الحكومية لتجاوز ارتفاع أسعار الطاقة
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً استعرض خلاله انعكاسات التدابير الحكومية حول العالم لتخفيف أثر ارتفاع أسعار الطاقة، حيث تمت الإشارة إلى أن الزيادات الأخيرة في أسعار الطاقة العالمية أثارت التساؤل عن مدى قدرة الأسر على تخفيض استهلاكها للتكيف مع تلك الزيادات، فمع بدء الاقتصاد العالمي في التعافي من جائحة كورونا، ارتفعت أسعار العديد من السلع، بما في ذلك أسعار الطاقة (النفط والغاز والفحم)، وشهدت أسعار الطاقة ارتفاعًا منذ منتصف عام 2021؛ بسبب تقلبات العرض والطلب خلال الفترة السابقة نتيجة عدة أسباب طويلة وقصيرة الأجل؛ حيث تمثلت الأسباب طويلة الأجل في نقص حجم الاستثمار بقطاع الطاقة والغاز الطبيعي.
فيما تمثلت الأسباب قصيرة الأجل في الأزمة الروسية الأوكرانية منذ فبراير الماضي؛ والتي تسببت في خفض صادرات روسيا من الغاز الطبيعي وقطع إمدادات الطاقة عن العديد من الدول، مما وضع مزيدًا من الضغوط على أسواق الطاقة، خاصة وأن روسيا تمتلك حصة كبيرة في أسواق الطاقة العالمية؛ تمثل نحو 20%، و10%، و5% من الصادرات العالمية للغاز الطبيعي والنفط الخام والفحم على الترتيب، وقد أدت هذه العوامل إلى ارتفاعات حادة بأسواق الطاقة، لاسيما للغاز الطبيعي، والذي شهد زيادة في الأسعار بمقدار خمسة أضعاف خلال الفترة من بداية عام 2021 وحتى منتصف 2022.
وأفاد تقرير المركز أنه وبرغم ارتفاع حجم إمدادات النفط من الشرق الأوسط والولايات المتحدة إلى جانب تباطؤ النمو الاقتصادي وتخفيف القيود المفروضة على إمدادات النفط والغاز؛ إلا أنه من المتوقع استمرار تقلبات أسعار الطاقة، حيث تشير توقعات وكالة الطاقة الدولية (IEA) إلى أن هذه التقلبات سوف تظل مرتفعة خلال الفترة القادمة، كذلك يتوقع البنك الدولي أن ترتفع أسعار الطاقة بنسبة 50% في المتوسط خلال عام 2022، وأن ترتفع أسعار الغاز الطبيعي وأسعار النفط الخام بنسبة 74% و42% على الترتيب خلال العام نفسه، هذا بالإضافة إلى توقعات استمرار ارتفاع الطاقة خلال عام 2023 بنسبة 46%.
وتناول المركز في تقريره أثر ارتفاع أسعار الطاقة على المستهلكين، حيث أدى الارتفاع في أسعار الطاقة عالمياً إلى زيادة كبيرة في مؤشر التضخم الرئيسي، وذلك نظرًا لكبر وزن خدمات الطاقة في مؤشرات أسعار المستهلكين (CPI) في العديد من الدول، فمثلًا يتراوح وزن سلع وخدمات الطاقة في مؤشرات أسعار المستهلك (CPI) بين 5 و15% في معظم أنحاء أوروبا، وقد تباين تأثير ارتفاع أسعار الطاقة على الأسر؛ حيث يعتمد على دخل الأسرة ونسبة إنفاقها على الطاقة بشكل أساسي، بحيث تتأثر الأسر منخفضة الدخل ذات مستويات الإنفاق العالية على الطاقة بشكل أكبر، وقد أثبتت نتائج استبيانات عن ميزانية الأسر في دول الاتحاد الأوروبي أن أسعار الطاقة المنزلية تؤثر بشكل أكبر على أفقر 20% من الأسر، مقارنة بالأسر ذات الدخل المرتفع، بينما تؤثر تكاليف النقل بشكل أكبر على أغنى 20% من الأسر؛ حيث تنفق الأسر ذات الدخل المرتفع حصصًا كبيرة من دخلها على وقود تشغيل سياراتها، مقارنةً بالأسر ذات الدخل المنخفض.
وأشار مركز المعلومات إلى التدابير التي اتخذتها الحكومات لحماية الأسر والشركات والاقتصادات من ارتفاع أسعار الطاقة، فقد قدمت العديد من الحكومات في الدول المتقدمة الكثير من حزم الدعم النقدي وغير النقدي، أما بالنسبة للدول الناشئة والنامية، فقد تمثل الدعم على هيئة تخفيضات في نسب ضرائب الاستهلاك، وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن 57 دولة قد اتخذت تدابير متعلقة بأسعار الوقود خلال الفترة (فبراير ومنتصف مايو) لعام 2022، فيما تحاول 37 دولة الإبقاء على الدعم الحالي للوقود حتى في ظل ارتفاع الأسعار.
وفي هذا السياق، فقد قدمت دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (42 دولة) دعمًا بلغت تكلفته 169 مليار دولار لدعم الطاقة وذلك ابتداءً من أكتوبر 2021 وينتهي بحلول ديسمبر 2022، كذلك أعلنت العديد من الحكومات في دول الاتحاد الأوروبي عن مجموعة من المساندات والدعم لحماية الأسر من فواتير الطاقة القياسية المرتفعة، هذا بالإضافة إلى منح الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء معونات قصيرة الأجل للأسر والمزارعين والشركات المتضررين من ارتفاع أسعار الطاقة، ومساعدتهم في الحد من تعرضهم لتقلبات أسعار الطاقة على المدى المتوسط والبعيد.
على جانب آخر، فعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الحكومات لمحاولة تقليل أثر ارتفاع أسعار الطاقة على مواطنيها، فإن هذه التدابير كان لها بعض الآثار السلبية؛ حيث حاولت الحكومات – من خلال الدعم بمختلف أشكاله – الحفاظ على سعر الطاقة منخفضًا للمواطنين، مما أدى إلى تحفيز استهلاك الوقود، وإرسال إشارات مضللة بشأن التكلفة الحقيقية للطاقة، وبالتالي تأثر سلوك المستهلك، الذي كان من الواجب أن يتسم سلوكه بالترشيد في استهلاك الطاقة خلال الأزمة الحالية.
وأشار المركز إلى تأثير أزمة أسعار الطاقة على الأهداف العالمية لخفض الانبعاثات، حيث تعهد الاتحاد الأوروبي بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHG) بنسبة 55% على الأقل بحلول عام 2030 في خطة الصفقة الخضراء للاتحاد، وفي حالة استمرار ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، مقارنة بأنواع الوقود الأخرى، من المرجح أن يصبح هناك اعتماد أكبر على الفحم في المدى القصير، حيث تعتمد العديد من الاقتصادات الناشئة الكبيرة اعتمادًا كبيرًا على الغاز الطبيعي المسال، بما في ذلك بنجلاديش وباكستان والهند وإندونيسيا وغيرها، مما قد يؤدي إلى انتكاسة الجهود العالمية لخفض الانبعاثات.
كما تمت الإشارة إلى أن أزمة ارتفاع أسعار الطاقة سوف تؤدي إلى تأخر في تحقيق الأهداف العالمية الخاصة بشأن التصدي لتغيرات المناخ، وفي هذا الصدد، قام صندوق النقد الدولي بعمل نموذج محاكاة لتأثيرات ارتفاع أسعار الطاقة على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في أوروبا، وقد عكست نتائج النموذج أن ارتفاع أسعار الطاقة سيؤدي إلى تحقيق ثلثي النسبة المستهدفة من الانبعاثات فقط، مقارنة بالنسبة المتوقعة قبل الأزمة، وذلك بحلول عام 2030.
وأكد المركز أن من أبرز الدروس المستفادة في أزمة ارتفاع أسعار الطاقة وإجراءات احتوائها ضرورة الأخذ في الاعتبار ألا تؤدي التدابير القصيرة الأجل إلى تثبيط كفاءة الطاقة أو إهدارها.