هل يبتكر الذكاء الاصطناعي لغة عالمية موحدة؟
يتوقع بيل جيتس أنه في غضون عامين إلى 3 أعوام، ستنتقل جميع الاجتماعات الافتراضية من عوالم ثنائية الأبعاد إلى عوالم ثلاثية الأبعاد في الميتافيرس.
كانت اللغة وما زالت عبر مر التاريخ تقف حاجزا منيعا وعنيدا أمام التواصل بين البشر، وقد حلم الشعراء والعلماء على الدوام بالقضاء على هذا الحاجز من خلال ابتكار لغة عالمية واحدة يستطيع جميع البشر فهمها، بغض النظر عن جنسياتهم وأعراقهم وبلدانهم، ولكن الحلم بقي حلما فقط، ولم يتحقق أبدا على مر الزمن.
وهناك حاليا مئات بل آلاف اللغات المنطوقة في العالم، وحسب منصة “EthnoLogue” المتخصصة في اللغويات، هناك 7151 لغة مختلفة في العالم الآن يستخدمها البشر للتواصل فيما بينهم.
وقد تحايل البشر على هذا الحاجز اللغوي عبر محاولة تعلم لغات أخرى، وانتشار الترجمات بين اللغات، ولكن حلم اللغة الواحدة بقي خيالا رومانسيا في أذهان الشعراء فقط، وذلك حتى وصول البشرية لعهد الذكاء الاصطناعي وزمن “الميتافيرس” (metaverse).
الميتافيرس كعالم جديد
يتوقع بيل جيتس أنه في غضون عامين إلى 3 أعوام، ستنتقل جميع الاجتماعات الافتراضية من عوالم ثنائية الأبعاد إلى عوالم ثلاثية الأبعاد في الميتافيرس، وتخطط شركات “مايكروسوفت” (Microsoft) و”ميتا” (Meta) و”أمازون” (Amazon) و”تيك توك” (Tiktok) و”آبل” (Apple) وغيرها من عمالقة التكنولوجيا في العالم لاستثمار الكثير من الأموال والجهود في إنشاء الميتافيرس الخاص بكل واحد منها.
ويقدر سوق الميتافيرس العالمي بمبلغ تريليون دولار من حيث الإيرادات السنوية المتوقعة، كما ذكرت منصة “Forbes” في تقرير لها مؤخرا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: بأي لغة سيتم التواصل داخل الميتافيرس؟
ويأخذ السؤال أهميته من حيث إن التواصل داخل الميتافيرس سيكون من خلال استخدام لغة منطوقة وليست مكتوبة، فالناس سيتواصلون معا من خلال الكلام المباشر في هذا العالم الافتراضي الجديد.
يحاول الكاتب بيتر ماليكوف رائد الأعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات الإجابة عن هذا السؤال في مقالة له نشرتها منصة “Venture beat” مؤخرا، حيث يؤكد الكاتب أهمية “حل حاجز اللغة داخل الميتافيرس إذا كنا نتحدث عن فضاء إلكتروني عالمي من المفترض أن يوحد البشرية، وذلك لأننا ما زلنا نتعامل مع اللغة هناك وفقا للمبادئ نفسها كما في العالم المادي، حيث علينا التحدث وإظهار المشاعر والاستماع والتأدب والاحترام والتعاطف، وبشكل عام، ستكون الاتصالات داخل وخارج الواقع الرقمي متشابهة من نواح كثيرة، وهذا أمر جيد لأننا لسنا مضطرين للتعلم من الصفر، ولكن الصعوبات تبقى هي نفسها أيضا”.
ويشير الكاتب إلى تجربة ميتا التي “تجمع حاليا على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بها مثل فيسبوك (Facebook) وإنستغرام (Instagram) مستخدمين من بلدان مختلفة ويتحدثون بلغات مختلفة، ويتواصلون بشكل أساسي ضمن مجموعتهم اللغوية دون الوصول إلى الأشخاص الذين يتحدثون لغة أخرى.
وفي عام 2019، كان هناك 41 لغة فقط مدعومة رسميا بواسطة فيسبوك، وهو يعني تغييب آلاف اللغات الأخرى”.
لكن.. ماذا لو كان بالإمكان التغلب على هذه المشكلة؟
قد يتبادر إلى الذهن أن نختار لغة واحدة كي تكون لغة عالمية للتواصل داخل الميتافيرس والعوالم الافتراضية مثل اللغة الإنجليزية على سبيل المثال، إلا أن هذا ليس حلا بل هو حل مرفوض من قبل الكثير من دول وشعوب العالم التي تعتز بلغتها وثقافتها وحضارتها، وهنا يرى ماليكوف “أنه سيكون خيارا مأساويا فقدان التنوع اللغوي باختيار لغة واحدة منها فقط كلغة عالمية”.
والجواب يكمن في كلمتين فقط “الذكاء الاصطناعي” كما يرى ماليكوف الذي يوضح “في العقد الماضي، تحسن التعلم الآلي (machine learning) والذكاء الاصطناعي (artificial intelligence) بطرق غير مسبوقة، وتقدمت الترجمة الآلية بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية، وتستفيد الآن شبكات التواصل الاجتماعي من هذه الاختراقات من خلال الترجمة الفورية للنصوص المكتوبة، ولاحظنا ذلك في منشورات وتعليقات الفيسبوك، أو في ترجمات الفيديو مثل تلك التي يتم إنشاؤها تلقائيا بواسطة يوتيوب (YouTube) وتيك توك”.
ولكن في الميتافيرس الأمر مختلف -كما يؤكد الكاتب- و”نحتاج إلى أكثر من ذلك حيث يستخدم الناس أصواتهم للتحدث، تماما كما هو الحال في العالم المادي، لهذا يجب حل مشكلة حاجز اللغة بأكبر قدر ممكن من السلاسة لجعل المحادثات الصوتية المنطوقة سهلة وشاملة، وهذا يعني أننا نحتاج للمضي قدما لاستخدام الخيارات الكبيرة التي يستطيع الذكاء الاصطناعي (AI) توفيرها في هذا المجال”.
ويشير ماليكوف إلى أن “مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي لشركة ميتا يدرك أهمية وخطورة هذه المشكلة، حيث أعلن في فبراير 2022 أن الشركة تعمل على بناء “مترجم كلام عالمي” (AI-powered universal speech translator) مدعوم بالذكاء الاصطناعي للغات في الميتافيرس الخاص بها، والذي من شأنه أن يعمل مع الجميع في العالم الرقمي، حيث سيستخدم الذكاء الاصطناعي لتوفير ترجمة فورية للغات التي يتم التحدث بها على نطاق واسع”.
وينقل عن زوكربيرج قوله “القدرة على التواصل مع أي شخص بأي لغة.. إنها قوة عظمى طالما حلم بها الناس منذ الأزل، وسوف يوفر الذكاء الاصطناعي ذلك في حياتنا”.
ويوضح ماليكوف أن “مترجم الكلام العالمي من ميتا سيكون قادرا على ترجمة الكلام المنطوق مباشرة من شخص ما يتحدث لغة مختلفة إلى كلام منطوق بلغة الشخص المستقبل دون كتابته أولا، وهذا سيجعل عملية الترجمة غير ملحوظة وتلقائية، مما سيساعد على جعل المحادثات طبيعية”.
ويشير الكاتب أنه إذا نجح هذا المشروع “فلن يتذكر الأشخاص حتى أنهم يتحدثون إلى شخص لا يفهمون لغته الأصلية. سيكون الأمر أشبه بمحادثة من مواطن إلى مواطن أو بين أفراد عائلة يعيشون في المنزل نفسه، وهذا الشيء الذي سيحدث في الميتافيرس في المستقبل القريب لا يمكن تحقيقه في العالم المادي الواقعي الذي نعيشه الآن”.
كما تساعد ترجمة الذكاء الاصطناعي أيضا في الحفاظ على التنوع اللغوي العالمي -كما يؤكد الكاتب- حيث “إنها ستحفز الناس على الحفاظ على لغاتهم الأصلية لأنها لم تعد تشكل عائقا أمام الاتصالات الدولية، وفي المستقبل، لن تكون هناك حاجة لتعلم لغة أجنبية لتكون جزءا من المجتمع الدولي”.
ويختم ماليكوف مقالته بالتأكيد على أن الأمر يتطلب “الكثير من العمل قبل أن نصل إلى هناك، حيث يجب أن يتعلم مترجم الكلام العالمي مئات بل آلاف اللغات وأن يحقق القدرة على الترجمة من واحدة إلى أخرى في الوقت الفعلي.
ويحتاج المهندسون الذين يقفون وراء المشروع إلى العثور على بيانات التدريب، والتي ليس من السهل الحصول عليها للعديد من اللغات غير الشائعة على الإنترنت.. إنه مشروع معقد وطموح للغاية، ولديه إمكانيات هائلة لجلب الكثير من الخير لهذا العالم”.
2 تعليقات