تسريع وتيرة تطوير مشاريع البنية التحتية الوطنية من خلال شراكات فعالة
بقلم: توماس كوروفيلا- الشريك الإداري في «آرثر دي ليتل» الشرق الأوسط
تتميز المدن الخليجية الكبرى بآفاقها الرحبة التي تزينها المباني الحديثة والشاهقة والتصاميم الهندسية الفريدة التي تعكس مدى التطور الذي وصلت إليه، مما يزيد الضغط على اعتماد تطوير ممنهج لمشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء المنطقة. وتتطلب نماذج تطوير البنية التحتية في دول الخليج إلى التنويع وإحداث تغييرات في بعض السياسات المتبعة حالياً إذا ما أرادت مواصلة مسيرة النمو والتطور العمراني، وبالنظر إلى المعدلات الحالية من الاستثمارات التي بلغت أعلى مستوياتها، فإن الوقت مناسب الآن للشروع في هذا الاتجاه.
وفي الواقع تشهد عملية تطوير البنية التحتية في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي تسارعاً في وتيرتها، ما يوفر بيئات ملائمة ومثالية للاستثمارات والشراكات الأجنبية. وتواصل دولة الإمارات العربية المتحدة الاستثمار على نحو مكثف في بنيتها التحتية، بينما تواصل المملكة العربية السعودية ودولة قطر بدورهما ضخ استثمارات متسارعة لتطوير البنية التحتية عبر قطاعات مختلفة، وأعلنت مملكة البحرين أيضاً عن خطط طموحة في هذا الإطار خلال السنوات المقبلة. وقد وضعت حكومات هذه الدول بالفعل أسس متينة لمشاريع جديدة من المتوقع أن تبصر النور خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة.
ومع ذلك، قد يتساءل أحد، ما هي المشكلة أو أين تكمن التحديات التي ربما تواجه دول الخليج في خططها نحو تطوير البنية التحتية التي تلبي متطلباتها المستقبلية؟ فمع التطورات المتسارعة والاستثمارات الضخمة، قد يكون من الصعب رؤية مكامن الضعف، وهذا في حد ذاته جزء من المشكلة، حيث أن المسؤولين عن وضع الخطط الخاصة بتشكيل مدن المستقبل، لا يرون بأنفسهم – غالباً – المشكلات أو التحديات التي تعيق بمشاريعهم.
المشكلة
على الصعيد العالمي، يضطلع القطاع العام عادةً بتطوير مشاريع البنى التحتية للمدن، ومع ذلك فإن الجهات الحكومية وما تمتلكه من موارد ليست دائماً الخيار الأكثر كفاءة لتطوير مشروعات البنية التحتية، نظراً للتكاليف الباهظة التي يمكن أن تنتج فضلاً عن التأخر في تسليم المشاريع وتضييع العديد من الفرص التي يمكن الاستفادة منها. بكل تأكيد هناك العديد من الاستثناءات الملحوظة، كما هو الحال مع سنغافورة ودبي (التي نجحت حكومتيهما في تحقيق نجاحات قياسية ونتائج فعالة مماثلة لتلك التي تحققها الشركات الخاصة) ولكن على مستوى العالم وبشكل عام، تميل المشاريع التي تشرف على إدارتها الجهات الحكومية إلى زيادة التكاليف، وإهدار المزيد من الموارد والفرص مقابل الحصول على قيمة أو فوائد أقل نسبياً. بمعنى آخر، يمكن للشركات الأكثر كفاءة في القطاع الخاص تطوير جسرين اثنين بالموارد والتكاليف ذاتها التي تحتاجها مؤسسات القطاع العام لتطوير جسر واحد فقط.
إذا كان الأمر كذلك، لماذا إذن تتحمل الحكومات مسؤولية تطوير الطرق والمرافق وغيرها من المشاريع الضخمة؟ اولاً أنَّ النفقات المالية الأولية على مشاريع البنية التحتية هائلة، بالمقابل يمكن أن تستغرق عملية الحصول على عوائد ملموسة من هذه المشاريع العقدً أو العقدين من الزمن. ثانياً، غالبًا ما تكون هذه العوائد غير مباشرة، وتأخذ أشكالاً أخرى مثل خلق فرص العمل، أو تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي، أو توليد الإيرادات الضريبية. وبالنسبة للحكومات، يعتبر ذلك منطقياً تماماً، لكن بالنسبة لمؤسسات القطاع الخاص فإنها ببساطة لا تستطيع الانتظار عشرات السنين لاسترداد أموالها.
وخلاصة القول: بالنسبة للقطاع الخاص، هناك نقص في الحوافز عندما يتعلق الأمر بالمشاريع التي تديرها الحكومة، وهي مشكلة تتفاقم نتيجة الشروط غير المواتية التي غالباً ما توضع على الطاولة. ولقد عملت الحكومات عبر التاريخ على افتراض أن شركات القطاع الخاص تحتاج إلى القطاع العام أكثر ما يحتاجه القطاع العام إلى الشركات الخاصة. ونتيجة لذلك حملت تلك الشركات القسم الأكبر من المخاطر والمسؤولية المالية، وغالباً ما كان يتم ذلك على حساب الحكومات نفسها.
ولكن الأمر الجيد هو أن حل هذه المشكلة لا يزال في متناول اليد – ويكمن في ضرورة تعزيز أوجه الشراكات بين القطاعين العام والخاص، حيث أن الجمع بين الملاءة المالية التي يتمتع بها عادةً القطاع العام والكفاءة والمرونة التي تتمتع بها شركات القطاع الخاص، يشكل ركيزة أساسية لتحويل طموحات البنية التحتية في المنطقة إلى واقعٍ ملموس.
الحل
لا شكَّ في أنه لا توجد دولتان متشابهتان على نحو متكامل في الخطط أو الرؤى أو الاستراتيجيات، ولكن هناك بعض المبادئ الأساسية التي يمكن تطبيقها على مستوى المنطقة لجعل الشراكات بين القطاعين العام والخاص مفتاحاً لتسخير إمكانات البنية التحتية التي تنسجم مع متطلبات المستقبل.
المبادئ الأساسية الثلاثة
- تعيين الطرف المناسب مسؤولاً عن إدارة المخاطر: في أي مشروع، إذا تم تكليف الطرف الخطأ بمعالجة المخاطر والتعامل معها، فإن التكلفة الإجمالية للمشروع سترتفع. على سبيل المثال، إذا تم وضع المخاطر المرتبطة بتغير أسعار الصرف أو تقلب أسعار النفط على عاتق القطاع الخاص، فسيقوم القطاع الخاص بزيادة تكاليفه بشكل كبير لاستيعابها. وعلى النقيض من ذلك، فإن القطاع العام في وضع أفضل لإدارة مثل هذه المخاطر ونتيجة لذلك معالجتها بتكلفة أقل بكثير – ما يؤدي بالتالي إلى تقليل التكلفة الإجمالية وزيادة قابلية المشروع للاستمرار.
- ضمان الإيرادات: من المهم أن تضمن الحكومات الحد الأدنى من الإيرادات المناسبة للقطاع الخاص. على سبيل المثال، في حالة الشراكة بين القطاعين العام والخاص لبناء بوابات تعرفة مرورية، لا يمكن مطالبة الشركة الخاصة بضمان حركة المرور عبر تلك البوبات. وبدلاً من ذلك، يجب على الحكومة تقدير عدد المركبات المتوقع مرورها، وإذا كان الرقم الحقيقي أقل من ذلك، فعليها دفع مبلغ محدد لشريكها من القطاع الخاص. قد يبدو ذلك للوهلة الأولى صفقة سيئة للدولة، لكن العكس هو الصحيح. فعندما ينقل القطاع العام المسؤولية إلى القطاع الخاص، فإن الشركات الخاصة ستزيد – بل وستضاعف – تكاليفها. وعندما يضمن القطاع العام الحد الأدنى من الإيرادات، فإنه سيطلب أيضاً حصة أعلى من الأرباح – وهو أمر عادل تماماً. باختصار، يتعلق الأمر باختيار نموذج الشراكة الصحيح بين القطاعين العام والخاص، مع تخصيص الضمانات أو العوائد المناسبة للطرف المناسب.
- إقرار واعتماد لوائح مطمئنة للجميع: تستمر في كثير من الأحيان مشاريع تطوير البنية التحتية لمدة 10 أو 20 أو حتى 25 عاماً، ونتيجة طول المدة، يمكن أن تتأثر شركات القطاع الخاص المسؤولة عن هذه المشاريع ويكتنفها شعور بعدم الارتياح بشأن الآثار المترتبة على التغيرات المحتملة في سياسات الحكومات مع مرور الوقت. ولإزالة هذه المخاوف، يجب على الحكومات منح الثقة لشركات القطاع الخاص من خلال الوفاء بالتزاماتها. ويمكن تحقيق ذلك من خلال اللوائح القوية وسياسات التأمين، فضلاً عن تغيير طريقة التفكير والتعامل بما يساهم في تعزيز ثقة الشركات الخاصة. ويوضح مثال الطرق ذات التعرفة المرورية في الهند ما يمكن أن يحدث عند غياب مثل هذا النوع من الثقة والطمأنينة، حيث ألغت الحكومة الهندية العقود المبرمة عندما أدركت أن عائدات القطاع الخاص أعلى بثلاث إلى أربع مرات مما كان متوقعاً. ونتيجة لذلك، تتردد شركات القطاع الخاص في الهند حالياً في الدخول في شراكات مع القطاع العام لتطوير مشاريع الطرق ذات التعرفة المرورية.
المملكة العربية السعودية.. نموذجًا
استُخلِصت المبادئ الأساسية الثلاثة المذكورة أعلاه من دروس وحالات واقعية في عالمنا الحقيقي. وفي العام الماضي، عملت حكومة المملكة العربية السعودية على فهم واستيعاب أسباب عدم تحقيق الشراكات بين القطاعين العام والخاص النتائج المرجوة منها في السابق، وبدأت في تطوير السياسات والأطر المناسبة لوضعها على المسار الصحيح. ومن بين النتائج والخطوات التي اتخذت، تم تحديث اللائحة الداخلية لدعم ما يعتبر الآن أكثر أسواق الشراكات بين القطاعين العام والخاص نشاطاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
فقد أعلنت المملكة العربية السعودية حتى الآن عن إجمالي 18 مشروعاً قائماً على الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بقيمة إجمالية تبلغ 42.9 مليار دولار – ومن المرجح أن يتبعها المزيد حيث تسعى الحكومة جاهدة لتحقيق طموحاتها في التنويع الاقتصادي. وفي الحقيقة، تشكل الشراكات بين القطاعين العام والخاص مكوناً رئيسياً من مكونات برنامج التحول الوطني الذي يهدف إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي من 40% في عام 2016 إلى 65% في عام 2030.
الطريق نحو المستقبل
قد تكون المنهجيات التي تقودها الدول في ما يتعلق بالاستثمار في البنية التحتية غير مثالية ولكن مع تضافر الجهود لإعادة التوازن بين مصالح القطاعين العام والخاص، فإن الإمكانات التي يمكن تحقيقها لا حدود لها. وكخطوة أولى، تقع المسؤولية على عاتق القطاع العام لاتخاذ زمام المبادرة والشروع في تعزيز أوجه التعاون – وتوفير الحوافز والضمانات التي تحتاجها شركات القطاع الخاص. وفي نهاية المطاف، تفوق الفوائد والنتائج الإيجابية التي يمكن تحقيقها من خلال البنية التحتية التي يتم تطويرها على أسس متينة، التكاليف القليلة المطلوبة التي يمكن إضافتها لتحفيز القطاع الخاص على المشاركة بفعالية في المشروع.
وعلى المدى الطويل، ستسهم الخطط الشاملة والرامية لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية التحتية في تحقيق عوائد أكبر للبلدان في جميع أنحاء العالم مقارنة مع ما يمكن أن يقدمه أي نهج قصير الأجل. ومن خلال اتباع نهج مرن يقوم على الانفتاح والتعاون، يمكن تحقيق تحولات إيجابية تعود إيجابياتها على مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية.